حطت بي الرحال في مطار الملك عبدالعزيز في جدة يوم الخميس الموافق 25 مارس 2010 قادماً من (المملكة المتحدة – بريطانيا) , وكنت وقتها قد أمضيت ما يزيد على سنة كاملة بعيداً عن الأرض التي احتضنتني 27 سنة ..
لم أشعر في بريطانيا بغربة شديدة , وهذا الأمر له ما يبرره من كثرة السعوديين , بالإضافة إلى أن المكان الذي أسكنه يعج بالسعوديين , ويندر أن أخرج أو أدخل بدون أن أصادف بعض السعوديين أو السعوديات في طريقي , هذا بالإضافة إلى أن الشقق ال 3 المحيطة بي يسكن اثنتين منها سعوديين بعائلاتهم , لذلك ما شعرت بأني بعيد عن (الجنس السعودي) حتى أشتاق له أو أفتقده. المكان الوحيد الذي كنت أعيش فيه بعيداً عن أي سعودي هو (الكلية) التي أدرس فيها كورس لا علاقة له بالماجستير الذي سأبدأه ان شاءالله في سبتمبر القادم , فطوال مدة دراستي في الكلية لا أتذكر أني قابلت أي سعودي اطلاقاً , وكانت هذه ميزة – بالنسبة لي – للاحتكاك أكثر بأبناء البلد بعيداً عن أي تجاذبات فطرية لأبناء البلد الواحد ..
حتى الان أمضيت تقريباً أسبوعين في السعودية , ومنذ أيام عاودني الشوق للرجوع إلى بريطانيا .. حقيقة لا أعلم السر وراء هذا الشوق بالرغم من قصر المدة التي قضيتها هنا لكني أكاد أجزم أني وقعت في فخ (المقارنات الظالمة) بين بريطانيا والسعودية , بعض هذه المقارنات :
1. بالرغم من الغلاء الفاحش في بريطانيا إلا أنني شعرت بأن الأسعار هنا أغلى , وكل سلعة كنت أشتريها كنت أشعر أن وراءها عملية نصب واستغلال كبيرة , بينما لم ينتابني هذا الشعور في بريطانيا اطلاقاً ..
2. لم أر أو أسمع في بريطانيا عن أي حادث سير كلف وفيات أو أرواح بينما في ظرف أسبوع سمعت بأن 4 أشخاص ماتوا في (طريق الهدا) بسبب حوادث سيارات ..
3. طوال السنة التي مكثتها في بريطانيا ما رأيت قط حادث سيارة , بينما رأيت العديد من حوادث السيارات في المدن الثلاث التي زرتها حتى الآن (الطائف – جدة – الرياض) ..
4. لم أتعرض لتأخير أو إلغاء أو أي نوع من أنواع المشاكل في المواصلات العامة (باصات – قطارات – طيران) في بريطانيا بينما صدمت بأول مشكلة ولخبطة فور دخولي لطائرة الخطوط السعودية في مطار هيثرو بلندن , وكانت المشكلة استخراج كروت صعود للطائرة لأكثر من راكب على نفس المقعد 😦
5. بالرغم من قيادتي المحدودة جداً لسيارة بعض الزملاء في بريطانيا إلا أنني ما احتجت لاستعمال المنبه اطلاقاً , بل على كثرة استخدامي للسيارة مع الزملاء أو سيارات الأجرة لم أر من يستخدم منبه السيارة لتحذير أو تنبيه مركبة أخرى , وعلى النقيض استأجرت قبل أسبوع سيارة لسوء الحظ كان المنبه فيها لا يعمل , ولهذا السبب كنت على وشك الوقوع في بعض الحوادث بسبب غفلة أو سوء قيادة بعض السائقين الآخرين ..
6. في بريطانيا في البنوك .. المطارات .. محطات القطار .. الباصات .. الأسواق .. لم أصادف أن تعدى أحد على دوري في الطابور بينما واجهت العديد من المواقف في (البنك الأهلي – بنك الراجحي) لأشخاص ضربوا بالأرقام عرض الحائط ومارسوا التعدي على حقوق الآخرين في النظام والأدوار , بل حتى فلافل “أبو عنتر” في الطائف وجد فيها من لم يكترث بصفوف الطالبين لسندوتشات الفلافل ..
هذه بعض المظاهر التي رأيتها وامتعضت منها حينما تبادرت إلى ذهني الصورة ونقيضها بين السعودية وبريطانيا , وتمنيت حينها لو أن الشعب كله ابتعث لإحدى الدول المتقدمة حتى تتغير لديه الصورة النمطية عن أهمية النظام ودوره في التحضر والتقدم ..
تنبيه أخير :
لست أسوق هذا الكلام افتتاناً بالغرب أو نقمة على واقع كنت أنا في يوم من الأيام أحد مكوناته , لكني آمل أن يكون لنا نصيب من التطور و(الحداثة السلوكية) التي رأيناها في الدول المتقدمة ونحن بأشد الحاجة لها في دولنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا ..